الصحراء اليومية/العيون
بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء، ألقى جلالة الملك محمد السادس خطابا للشعب المغربي، خطاب تميز بفتحة للنقاش حول جملة قضايا تشغل بال الفاعلين الديمقراطيين بالبلد، خاصة ما ارتبط بمسألة الاختلالات في تدبير الوضع التنموي بالصحراء، ومحاربة اقتصاد الريع والنموذج التنموي الممكن إعتماده في هذه الأقاليم، ولأن هذه المحاور لطالما شغلت بال واهتمام النائب البرلماني عن حزب العدالة والتنمية محمد سالم البيهي، توجهنا إليه بثلاث أسئلة عن الموضوع.
1- كيف قرأتم الخطاب الملكي وما هي أهم الإشارات الملتقطة منه؟
أولا أثمن الخطاب وأعتبره خطابا تاريخيا بامتياز، كانت فيه إشارات قوية سواء للمنتظم الدولي أو الجانب الداخلي أو حتى على مستوى التدبير أو البعد الاستراتيجي من خلال إبراز نخب شابة متمكنة وذات مصداقية ووطنية، مما يمكن من القطع مع سياسة الريع، وهي الفكرة الواضحة التي جاءت في الخطاب، فمع الأسف كل الميزانيات التي ترصد للصحراء منذ الاستقلال وكذا البرامج والمشاريع، مع الأسف تبدو على مستوى الواقع في التدبير السياسي غير فعالة ونتائجها محدودة.
المفروض اليوم أن يتم تبني مقاربة جديدة، تعتمد على العنصر البشري، وليس اقتصار التنمية في الجانب التحتي أو اللوجستيكي على أهميته، ولكن من الفروض إقامة مشاريع ترتكز على العنصر البشري بتنميته كمواطن والدفاع عن مصالحه، وهي الأمور التي أكد عليها الدستور الجديد لسنة 2011.
2- ماهي الميكانزمات الممكن اعتمادها لتجاوز إقتصاد الريع بالصحراء؟
من خلال ملفات كثيرة قمنا بالبحث فيها، وتوجيه الأسئلة بخصوصها إلى الجهات المعنية، واعتماد أدوات أخرى متعددة، وجهنا الأنظار إلى مسائل كثيرة، من بينها الدعم الموجه لهذه الأقاليم في السمارة والعيون وبوجدور والداخلة، لكن مع الأسف المتدخلين بالملف تلاعبوا بالوضع الاستثنائي لقضية الصحراء، خاصة مع غياب المتابعة والمراقبة من طرف مجموعة من المؤسسات العمومية ذات الصلة.
فقد كانت تأتي كميات من المواد، لكنها لم تكن تصل للمعنيين بالأمر، كما يتم التلاعب بجودتها حيث يستبدل الدقيق المخصص لهذه المناطق بدقيق آخر أقل جودة، وتلاعب في عدد المستفيدين بإضافة أشخاص أخرين غير موجودين أصلا، واقصاء فئات تستحق الدعم أكثر من أخرى تستفيد، وتعدد الوسطاء وغيرها من مظاهر الاختلال، الدالة على غياب المراقبة القبلية والبعدية، وقد علمنا أن الحكومة الآن تفكر في آلية لمنح هذه المساعدات وأشكال الدعم بشكل مباشر للفئات المقصودة، مما يقطع مع أشكال التلاعب المختلفة، وهذا أمر نثمنه.
3- بخصوص النموذج التنموي للأقاليم الجنوبية، ما الإجراءات الكفيلة بخلق نموذج قادر على الحياة، فعال ويحقق الأهداف المسطرة؟
النموذج يركز على البعد الإجتماعي والاقتصادي بشكل كبير، لأجل المساهمة في الرقي بوضع الساكنة، خاصة ما ارتبط بمسألة الشغل والبطالة، التي يجب العمل على التخفيف منها، سواء في أوساط حملة الشواهد أو غيرهم، وكذلك مسألة السكن، بحيث أن على الدولة والجهات المسؤولة دعم هذا القطاع وتوفير سكن لائق للفئات الهشة، وأيضا توفير المعاهد العليا الجامعية، خاصة في التخصصات التقنية والعلمية والاعلام، وكل هذه القضايا تساهم بشكل كبير في التخفيف من الاحتقان الاجتماعي والنهوض بأوضاع الساكنة المحلية، بل تعتبر دعائم حقيقية لأي نموذج تنموي يراد تطبيقه في هذه الأقاليم.
ومن جهة أخرى، علينا التنبيه أن الواقع يبين أن تدبير هذا النموذج لم يسر في الطريق المطلوب، ونتمنى أن يكون الخطاب الملكي بداية فعلية وحقيقية لتحقيق هذا الأمر، خاصة وأنه ضم إشارات قوية للجهات الفاسدة المنتخبة والمستفيدة من الوضع الحالي، أن هذا الأمر يجب إيقافه، وتبني الحكامة الجيدة فهي ما ينقصنا حقيقة، والمراقبة والتتبع والمحاسبة، ولقد رأينا مؤخرا محاولات من المجلس الأعلى ومن مفتشيات المالية تبحث في ملفات خاصة بعدد من الجماعات القروية والحضرية، وبلديتي العيون وكلميم، غير أن هذه المساعي توقفت، مما يعطي إشارات سلبية للمواطنين، وهو أمر مخيف، إذ يجب محاسبة أي مسؤول يمارس أي اختلال أو سوء تدبير، كما أننا بحاجة إلى نخبة جديدة قادرة على الاستجابة لتطلعات الدولة والساكنة، مما يمكن من تنزيل النموذج التنموي بشكل فعلي وحقيقي.
وحين نصل إلى هذه الأمور، فإننا نقطع مع الاستغلال السياسي لخصوم الوحدة الترابية للوضع المعيشي والاجتماعي للساكنة للترويج لمخططاتهم وشعاراتهم، لأن الضعف الإجتماعي قد يدفع البعض إلى الوقوع ضحية للإدعاءات المغرضة، مما يخلق البلبلة في هذه الأقاليم.
وما يمكن أن نستخلصه من خطاب جلالة الملك في تلازم مع مسألة النموذج التنموي، أنه تحدث عن النخبة السياسية أيضا وبعث رسائل قوية، نأمل من كل النخب التقليدية أن تفهم الرسالة وأن تترك المجال أمام نخب أخرى، والذي يمر عبر دفع الأغلبية الصامتة إلى الانخراط في الأحزاب والعملية السياسية، إذن الخطاب قوي ومدخلات الحل تقوم على أساس الحكامة والشفافية، وتوسيع دائرة المشاركة السياسية، وإدماج نخب شابة جديدة متمكنة ومواطنة.