الصحراء اليومية/العيون
قبل أن تبدأ بقراءة هذا المقال ، عليك قارئي العزيز ان تتخلى عن كل خلفياتك ، القبلية و الاثنية و العرقية وتكن قارئا برغماتيا. لأننا في زمن ماذا تصنع وليس ابن من انت. هذا لكي يكون التفاعل بيني وبينك سهل وسلس، وتكون الكتابة فعلا فعل تواطى بين القارى والكاتب.
انا لست كاتبا ولا ادعي ذلك البتة ، إنما هي الضرورة تُلِّح عليا ذلك ،فهي أسمى آليات التعبير . فعندما اقرأ ما تجود به اقلام الكتاب الكبار استحي ان أمارس الكتابة ، بل ولكي أكون صريحا معكم اشعر باني صغير حد الذرة في هذا العالم.
وهنا تحضر امامي صورة الكاتبة رضوى عاشور، عندما ذكرت ان قرائتها للروسي انطون تشيخوف، قمعت رغبتها في الكتابة لفترة قبل ان تتغلب على هذا الامر ، لقد أفرزت العملية الديمقراطية بالمغرب من خلال دستور المملكة تأمين وضمان التعددية الحزبية حتى كدنا نصاب بالتخمة من هذا العدد الكبير من الأحزاب السياسية الذي فاق الثلاثون ، بيد أن غالبية هذه الكائنات السياسية حصرت اشتغالها او بالأحرى انشغالها بفترة الانتخابات لا غير حتى سميت من باب السخرية بالدكاكين الانتخابية لينحصر اسم حزب سياسي في دائرة صغيرة لم تتجاوز الخمسة او الستة احزاب ليبقى حزب الاستقلال اهم هذه المكونات نظرا لحمولته التاريخية الوطنية التي ضمنت له الاستمرارية والنجاح ،تجسد في ديناميكية وفاعلية تظهر بشكل كبير بالجهات الجنوبية الثلاث للمملكة نظرا للتواجد الدائم الى جانب ساكنة هذه المناطق وهو ما جعله انفرادا بالأقاليم الصحراوية ان لم يكن في ربوع المملكة قاطبة ،هذا ان دل على شي فانما يدل على حنكة وتبصر منسق حزب الاستقلال بالجهات الجنوبية الثلاث وهي الجهات الأكثر صعوبة في البلاد ومن صور تلك الصعوبة ،وجود عائق القبلية امام الحزب لان المخلفات البدوية لازالت قائمة وحاضرة في كل وقت وحين ،تاكل معنا وتآكل منا.
ان خيمة حزب الاستقلال عموما وبمدينة العيون بشكل خاص تقوم على ركائز الاختلاف الذي لا يفسد للود قضية ،الاختلاف في الفكر ،في التوجه ،في النظريات ،في الدم وفي القبيلة وهو ما نتج عنه تجانس يلخص الوجه الحقيقي للحزب. ان إمكانية الاختلاف داخل تنظيمات حزب الاستقلال بالعيون حاضرة باستمرار اساسها وهدفها فتح نقاشات بناءة من خلال الاستماع الى جميع المناضلين والاخذ بآرائهم فيما يهم الصالح العام الذي يرمي الى النهوض بالمنطقة ككل.
ان نجاح هذا الأخير بمدينة العيون يعود وَمِمَّا لا شك فيه لوجود قيادة واعية ، متوفرة عَلى رؤية مستقبلية وشاملة لحل مشاكل الإقليم تتميز بعقلية حوارية لا بدغمائية بدائية ،وهي قيادة غيورة على ساكنة هذا الإقليم بحكم الانتماء والدراية بزوايا الظل في المشهد السياسي، لتكون حربة الرمح من اجل كسب الرهانات القادمة وضمان مستقبل أفضل للمنطقة.
لقد تميزت المرحلة الاولى من قيادة حزب الاستقلال لسفينة التنمية بالعيون بوضع اللبنات الاساسية للبنية التحتية للمدينة وهو ما نجح فيه بامتياز ليتردد صدى هذا النجاح من أدنى المملكة الى اقصاها بالاعتماد على إمكانيات بسيطة للغاية استطاع معها رئيس المجلس الحضري للمدينة في ادماج عدد لابأس به من الشباب الذي عانى لبرهة من الزمن من الاقصاء والتهميش لعدم توفرهم على شواهد تساعدهم لولوج عالم الشغل، حيث تم دمجهم في سوق العمل عن طريق خلق مقاولات صغرى ( شركات الحراسة ؛ الاغراس ....) على أمل حلحلة مشاكل الشباب بواقعية والتقدم رويدا رويدا في الحد من مشكل البطالة بشكل عام هذا الأخير الذي يسيطر على حيّز كبير من تفكير واهتمام قيادة حزب الاستقلال بالعيون وقد كانت هي الخطوة الاولى في طريق الألف ميل.
ان الظروف السياسية الوطنية والإقليمية والدولية أصبحت تفرض الاستعجال في تنزيل الجهوية المتقدمة، او الحكم الذاتي الى ارض الواقع اذ بات على الدولة الإسراع في إخراجه للوجود، وإعطاء الساكنة المحلية أحقية تسيير شؤونها ، كما جاء على لسان السيد مولاي حمدي ولد الرشيد اكثر من مرة لم يكن اخرها تحت قبة البرلمان عقب التصريح المنحاز للامين العام للأمم المتحدة.
قبل الختام، ان الهوة التي يبنيها معظم المثقفين بينهم وبين العامة، وعدم الدخول في غمار المشهد السياسي عبر قلاعهم العاجية التي بنوها بافكار واهمة، لن تتقدم لا بهم ولا بالمنطقة الا الى الهاوية. فحياة الفرسان التي لا زلنا نتوهمها ، لن ندركها الا بالمواجهة، والشجعان لم يكونوا لنسمع بسيرهم الا عندما وقفوا بوجه الاخطار دون الالتجاء الى هواية الكلام من اجل الكلام بالكهوف المدلهمة والابطال وحدهم من يستعدون للقتال في واضحة النهار لا في جنح الليل خوفا من الاعين . نؤمن جميعا ان الحياة تعاش مرة واحدة فلنقتنص منها أي الأشياء اصلح لنا ولنتحرر من كل وهم أحطنا به ارواحنا.
ختاما إن الأمم المتقدمة لم تتقدم بالنقد الهدام أبدا، بل بنت بلدانها بالنقد البناء وتخلت عن خلفياتها الرجعية ، والبدوية المقيتة والمميتة، لان رفض الاخر لكونه لا يفترش معي سجادة الدم والقربى، لن تصبح يوما محركا يدور بعجلات التنمية فينا، بل سنظل غارقين في الرمل والوحل الذي يسيجنا من الجنوب والشمال، ننتظر غيمة حبلى بالمطر تحمل إلينا بشرى الغيث.
- ذ. يوسف زركان/العيون.