الصحراء اليومية / متابعة
لو تعرض شرطي أو رجل أمن ما لـ " إهانة " من مواطن، لا قدر الله، وتسرع في إبلاغ رؤسائه، وأشعرت النيابة العامة، فإن التراجع عن الدعوى يصبح من سابع المستحيلات.
والسبب أن هناك قانونا إداريا يمنعه من تقديم أي تنازل لفائدة المواطن المشتكى به، إلا بعد موافقة المدير العام للأمن الوطني، لأن الأمر يصبح " قضية دولة " وليس مجرد نزاع أو شجار بين شرطي ومواطن. إذن فإن الشرطي أو رجل الأمن، بمجرد اتخاذه قرارا بمتابعة مواطن ما يكون عرضه للإهانة، فإن زمام الأمور ينسحب تلقائيا من بين يديه، ويصبح بيد المدير العام للأمن الوطني الذي يجب الرجوع إلى موافقته في حال رغبته في تقديم أي تنازل لفائدة المواطن المشتكى به.
وهناك عدد من رجال ونساء الأمن الوطني الذين يجهلون هذا القانون، إذ يقررون، لسبب أو لآخر، متابعة مواطن ما يعتبرونه عرضهم للإهانة، ويتم تطبيق المسطرة العادية، غير أن خلفيات ما تدفعهم إلى النكوص عن قرار المتابعة، ويقررون تقديم تنازل كتابي لفائدة المشتكى به، فيجدون أنفسهم في مواجهة مشكلة عويصة مع إدارتهم لم تكن لتخطر لهم على بال، والتي قد تنتهي بإصدار عقوبات تأديبية. وتكشف بعض المصادر أن رجل الأمن الذي يقدم تنازله لفائدة شخص سبق له أن قرر متابعته، يتلقى فجأة استدعاء للحضور إلى مقر المديرية العامة للأمن الوطني بالرباط، وهناك يتم الاستماع إليه من طرف أطر الإدارة المركزية، قبل أن يتم عرضه على المجلس التأديبي، الذي يرأسه مدير مديرية الموارد البشرية، لاتخاذ القرار المناسب في حقه، وذلك على اعتبار أن الشرطي الراغب في توقيع وثيقة تنازل يحتاج إلى ترخيص مسبق من المدير العام للأمن الوطني، وهو ما يعتبر في حكم المستحيلات، نظرا لكثرة الإجراءات والمساطر الإدارية المعقدة التي تبتدئ من طلب المقابلة.
وتبقى تهمة " إهانة موظف " مسلطة على رقاب الناس، تخصص للزج بهم في السجون، مع التنكيل بهم نفسيا، حتى يكونوا عبرة لكل من سولت له نفسه الجهر بالمطالبة بحق من حقوقه الدستورية، أو التمرد على سياسة الشطط والبطش التي تعتبر شيمة لتصرفات وسلوكات العديد من موظفي الإدارة العمومية في ظل "دولة الحق والقانون"، التي تنادي بمساواة المغاربة أمام القانون.
هي إذن تهمة من زمن سنوات الرصاص، حيث كان القضاء يتضامن مع المدعي، ولا يتردد كثيرا في إنزال أقصى عقوبات في حق المتهمين. وفي مختلف الإدارات العمومية بالمغرب، هناك العديد من الموظفين الذين لا يتحملون ملاحظة المواطن، الذي يكون أكثر وعيا ودراية بحقوقه من الموظف أو الرئيس، ويوجه ملاحظة ما، أو يحتج على سوء تصرف أو معاملة، فيبدأ الشنآن بين الطرفين، لتلفق له في النهاية تهمة " إهانة موظف " ويزج به في السجن، وهو ما يستدعي إعادة النظر في الفصول المتعلقة بهذه التهمة في القانون الجنائي، كما هو الشأن بالنسبة إلى منظومة الإدارة العمومية، من خلال إجراءات احترازية وتدابير إدارية تحمي المواطن والموظف من الاعتداء، وتحفظ لكل ذي حق حقه، خصوصا أن مثل هذه الممارسات تخلق تراكمات وحواجز سيكولوجية تزيد في تعميق الهوة بين المواطن والموظف العمومي، وبالتالي يفقد المواطن أي ثقة له في الإدارة العمومية، وفي القانون.
وفي الوقت الذي تسجل متابعات بالجملة ضد مواطنين أبرياء بتهمة سهلة التلفيق، ولا تنبني على أي أساس من الصحة في أغلب الحالات، مثل " إهانة موظف "، نجد، مثلا، فصولا قانونية أخرى لم تفعل، وبقيت مجرد حبر على ورق منذ تسطيرها قبل سنوات إلى اليوم، تكريسا لمبدأ الإفلات من العقاب.
فقانون مناهضة التعذيب وشطط الموظف، الذي يعتبر حتى التلفظ الكلامي البذيء في حق المواطن تعذيبا نفسيا وعنفا يمارس عليه، يستوجب عقاب، لم يسبق أن نفذ في أي يوم، ما يعني أن القانون وضع لكي يطبق على البسطاء فحسب.
المصدر : الصباح محمد البودالي